فصل: ذكر بعض ما في كتبهم غير الأناجيل من الكذب والكفر والهوس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **


 ذكر بعض ما في كتبهم غير الأناجيل من الكذب والكفر والهوس

قال أبو محمد قال يوحنا بن سيذاي في إحدى رسائله الثلاث يا أحباي نحن الآن أولاد الله ولم يظهر بعد ما نحن كائنون وقد نعلم أنه إذا ظهر سيكون أمثالاً له لأننا نراه كما هو قال أبو محمد أفي الكفر أعظم من كفر هذا الكذاب أنهم أولاد الله وأنهم سيكونون مثل الله إذا ظهر وقال هذا اللعين في كتاب الوحي والإعلان أنه رأى الله عز وجل شيخاً أبيض الرأس واللحية ورجلاه من لاطون والمسيح يقرأ بين يديه في كتاب من ذهب والملائكة يقولون هذا خروف الرب والأسواق قائمة بين يديه القمح كذا وكذا قفيزاً بدينار والخمر كذا وكذا قسطاً بدينار والزيت كذا وكذا قسطاً بدينار فهل هذا إلا هزل وعيارة وتماجن وتطايب وقال شمعون في إحدى رسائله يومئذ يأتي الرب كمجيء اللص فلعمري لقد شبه ربه تشبيهاً هو أولى به ولا مؤنة على هذين الكلبين وعلى يهوذا ويعقوب اللعينين في رسائلهم الفارغة من كل خير الباردة المملوءة من كل كفر وهوس أن يقولوا قال الله والد ربنا المسيح وفعل الله والد سيدنا المسيح كأنهم والله إنما يخبرون عن نسب من الأنساب وولادة من الولادات وقال بولس اللعين في إحدى رسائله وهي التي إلى أهل غلا ربه في الباب السادس نشهد لكل إنسان يختن أنه يلزمه أن يحفظ شرائع التوراة كلها وقال أيضاً قبل ذلك إن اختتنتم فإن المسيح لا ينفعكم فاعجبوا لهذا واعلموا أنه قد ألزمهم دينين أما من كان مختوناً فإن شرايع التوراة كلها تلزمه ولا ينفعه المسيح وأما من كان غير مختون فالمسيح ينفعه ولا يلزمه شرايع التوراة وهو وسائر التلاميذ كانوا بإجماع من النصارى مختونين كلهم فوجب أن المسيح لا ينفعهم وأن شرائع اليهود كلها لهم لازمة وأكثر من بين أظهر المسلمين منهم اليوم مختونون وإن كان بولس صادقاً فإن المسيح لا ينفعهم وأن شرائع التوراة كلهم لهم لازمة وإن كان بولس كاذباً في ذلك فكيف يأخذون دينهم عن الكذاب ولابد من إحداهما وقال أيضاً في إحدى رسائله أن يوحنا بن سيذاي ويعقوب بن يوسف النجار وباطرة أمروه أن يكون هو يدعو إلى ترك الختان ويكونون هم يدعون إلى الختان قال أبو محمد هذا غير طريق التحقيق في الدعاء إلى الدين وإنما هي دعوة حيلة وإضلال مينية لا حقيقة لها وقال بولس إن يعقوب ابن يوسف النجار كان مرائياً يتحفظ من مداخلة الأجناس بحضرة اليهود وأن بولس واجهه بذلك في أنطاكية وعنفه على ذلك أفيجوز أخذ الدين عن مراء مدلس وقال هذا اللعين بولس أيضاً في إحدى رسائله أن يسوع بينما كان في صورة الله لم يغتنم أن يكون مساوياً لله بل أذل نفسه ولبس صورة عبد قال أبو محمد فهل سمع قط بأوحش من هذا الكفر وأحمق من هذا الكلام أو أسخف من هذا الاختيار وهل يتذلل الإنسان ويحمل كل بلاء في الدنيا إلا ليصل إلى رضى الله تعالى فقط فليت شعري هل بعد الوصول إلى مساواة الله تعالى عند هؤلاء الأقذار منزلت تبتغي فيرفضها المسيح لينال أعلى منها اللهم قد ذكرنا تلك المنزلة وهي التي وصفها يوحنا اللعين في إنجيله من أن الله تعالى عن كفرهم اعتزل عن الملك والحكم وولاهما المسيح وتبرأ إليه بكل شيء ثم إن امسيح شرفه الله تعالى عن ذلك اللهم العن عقولاً يجوز فيها هذا الحمق وقال هذا النذل في بعض رسائله إني كنت أتمنى أن أكون محروماً من المسيح قال أبو محمد ليت شعري من ضغطه وما المانع له من أن يكفر بالمسيح فيبلغ مناه ويصير محروماً منه ووالله إنه لمحروم منه بلا شك وقال هذا النذل بولس أيضاً في بعض رسائله الخسيسة اليهود يطلبون الآيات واليونانيون يطلبون الحكمة ونحن نشرع أن المسيح قد صلب وهذا القول عند اليهود فتنة وعند الأجناس جهل ونقص وعند المختنين من اليهود واليونانيين أن المسيح علم الله وقدرته لأن ما كان جهلاً عند الله هو أحكم ما يكون عند الناس وما هو ضعيف عند الله هو أقوى ما يكون عند الناس قال أبو محمد فهل في بيان قحة هذا النذل وسخريته لمن اتبعه وتحقيق ما تدعيه اليهود من أن أسلافهم دسوا هذا الرذل بولس لإضلال أتباع المسيح عليه السلام أكثر من هذا القول في إبطاله الآيات والحكم وقوله إن أحكم ما يكون عند الناس هو الجهل عند الله فمحصول هذا الكلام اتركوا العقل وموجبه واطلبوا الحمق وتدينوا به نعوذ بالله مما ابتلاهم به وقال بولس أيضاً في بعض رسائله إنه لا تبقى دعوة كاذبة في الدين أكثر من ثلاثين سنة قال أبو محمد هو عندهم لعنهم الله أصدق من موسى بن عمران عليه السلام فإن كان صادقاً فما يحتاج معهم إلى برهان في صحة دين الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم سوى هذا فإن لهذه الدعوى أربعماية عام ونيفاً وخمسين عاماً ظاهرة والحمد لله رب العالمين فيلزمهم أن يرجعوا إلى الحق أو يكذبون بولس بشيرهم وقال بعض من يعظمونه من أسلافهم وهو يوحنا فم الذهب بطريارك القسطنطينية في كتاب له معروف عندهم أن الشجرة التي أكل منها آدم وبسببها أخرج من الجنة كانت شجرة تين وأن الله تعالى أنزل تلك الشجرة بعينها إلى الأرض وهي التي دعا المسيح عليها فيبست إذ طلب فيها تيناً يأكله فلم يجد وهي نفسها الخشبة التي صلب عليها قال وبرهان ذلك أنك لا تجد غاراً إلا وعلى فمه شجرة تين نابتة فاعجبوا لهذا الهزل والعيارة والمجون والبرهان البديع واعلموا أنهم بأجمعهم متفقون على أن يصوروا في كنائسهم صورة يقولون هي صورة الباري عز وجل وعلا وأخرى صورة المسيح وأخرى صورة مريم وصورة باطرة وصورة بولس والصليب وصورة جبرائيل وميكائيل وصورة إسرافيل ثم يسجدون للصور سجود عبادة ويصومون لها تديناً وهذا هو عبادة الأوثان بلا شك والشرك المحض وهم ينكرون عبادة الأوثان ثم يعبدونها علانةيو حجتهم في هذا حجة عبادة نفساً وهي أنهم يتقربون بذلك إلى أصحاب تلك الصور لا إلى الصور بأعيانها واعلموا أنهم لم يزالوا بعد المسيح بأزيد من ماية عام يصومون في شهر كانون الآخر إثر عيد الحجيج أربعين يوماً متصلة ثم يفطرون ثم يعيدون الفصح مع اليهود اقتداء بالمسيح إلى أن أبطل ذلك عليهم خمسة من البطاركة أجمعوا على ذلك ونقلوا صيامهم وفصحهم إلى ما هم عليه اليوم فكيف ترون هذا الدين ولعب أهله به وحكمهم بأن ما مضي عليه المسيح والحواريون ضلال وكفر ولا يختلفون أصلاً في أن شرائعهم كلها إنما هي من عمل أساقفتهم وملوكهم علانية فهل تطيب نفس من به مسكة عقل على أن يبقى ساعة على دين هذه صفته فكيف أن يلقى الله تعالى على دين يقر بلسانه ويعلم بقلبه أنه ليس من عند الله تعالى ولا مما أتى به نبي ونعوذ بالله من الخذلان ومن عظيم هوسهم قولهم كلهم أن المسيح أتى ليأخذ بجراحته آلامنا وبكلومه ذنوبنا وهذا كلام في غاية السخف ليت شعري أي ألم أخذ بجراحته أم كيف تؤخذ ذنوب الناس بكلوم المسيح ما نراهم إلا يألمون ويذنبون كما يألم غيرهم ولا فرق ومن فضائحهم دعواهم أن هلاني والدة قسطنطين أول من تنصر من ملوك الروم وذلك بعد أزيد من ثلثماية عام من رفع المسيح وجدت الخشبة التي صلب فيها المسيح والشوك الذي جعل على رأسه والدم الذي طار من جنبه والمسامير التي ضربت في يده فليت شعري أين وجدوا هذا السخام كله وأهل ذلك الدين كله مطرودون مقتولون حيث وجدوا المدينة خالية أزيد من مائتي عام لا أنيس بها ثم من لهم بأنها تلك وأين يبقى أثر الدم ومسامير وشوك وخشبة تلك المدة العظيمة في البلاد الخالية المقفرة ولاشك في أنه إذ صلب كما يقولون كان أصحابه مختفين وأعداؤه لا يلتفتون إلى أمره أيكون في السخف أعظم من هذا وما عقولهم إلا كعقول من يصدق بالعنقاء وبكل ما لا يمكن واعلموا أن كل ما يدعونه لباطرة ويوحنا ومارقش وبولس من المعجزات فإنها أكذوبات موضوعة لأن هؤلاء الأربعة لم يكونوا من رفع المسيح عليه السلام ومذ تنصر بولس إلا مطلوبين مشردين مضروبين كالزنادقة مستترين وقد ذكر بولس عن نفسه أن اليهود ضربوه خمس مرات بالقضبان كل مرة تسعاً وثلاثين جلدة وأنه رجم بالحجارة في جمع عظيم وتدلى من سور دمشق في قفة خوف القتل ومع ذلك تظاهروا بدين اليهود إلى أن صلبوا وقتلوا إلى لعنة الله ولا يجوز أن تصح معجزة إلا بنقل كافة عن مثلها ممن شاهد ذلك ظاهراً ولكن دعوى النصارى ذلك لمن ذكرنا ولغيرهم من أسلافهم معجزة كدعوى المنانية لماني سواء بسواء فإنه لم يزل مستتراً إلا شهوراً يسيرة إذ اختدعه بهرام بن بهرام الملك حتى ظفر وبأصحابه فقتلهم كلهم وكدعوى اليهود لأحبارهم السالفين ولرؤس السبت المعجزات بالصناعات وكدعوى أصحاب الحلاج للحلاج وكدعوى طوائف من المسلمين مثل ذلك من المعجزات لشيبان الراعي ولإبراهيم بن أدهم ولأبي مسلم الخولاني ولعبد الله بن المبارك رحمة الله عليهم وعلى غيرهم من الصالحين وكل ذلك كذب وتوليد من لا خير فيه وإحالة على أشياء مغيبة لا يعجز عن ادعاء مثلها أحد وكل طائفة ممن ذكرنا تعارض دعواها بدعوى سائر الطوائف ولا سبيل إلى الفرق بين شيء من هذه الدعاوي وقد قلنا لا يمكن البتة وجود معجزة إلا لنبي فقط ثم لا تصح إلا بنقل يقطع العذر ويوجب العلم للكافر والمؤمن إلا من كابر حسه وغالط نفسه وقال هذا سحر فقط وكذلك ما اغتر به كثير من جهالهم مما رأوا من عظم اجتهاد رهبانهم أصحاب الصوامع والديارات والمطوس عليهم أبواب البيوت فليعلموا أنه ليس عندهم من الاجتهاد في العبادة إلا جزءٌ من أجزاء كثيرة مما عند المنانية وشدة اجتهادهم والذي عند الصابئين من ذلك أعظم فإنه يبلغ الأمر بهم إلى أن يخصي الواحد نفسه ويسمل عيني نفسه اجتهاداً في العبادة والذي عند الهندو أكثر من هذا كله فإنهم لا يزالون يحرقون أنفسهم في النار تقرباً إلى البد ولا يزالون يرمون أنفسهم من أعالي الجبال كذلك فأين اجتهادٍ من اجتهاد وعباد الهند لا يمشون إلا عراة ولا يلتبسون من الدنيا بشيء أصلاً فأين هذا من هذا لو عقلوا ولم ير قط أشد جريمة من جاهل مقلد لاسيما إذا اتفق أن يكون سوداوياً ضعيفاً وإن شئت فتأمل أساقفة النصارى وقسيسهم وجتالقتهم تجدهم جفلة أفسق الخلق وأزناهم وأجمعهم للمال لا سبيل إلى أن تجد منهم واحداً بخلاف هذا وكذلك إن اغتروا بصبر أوائلهم للقتل على دينهم حتى عملوا لهم الشائنات إلى اليوم فإن ذلك لا يتجزأ من صبر المنانية على القتل في الثبات على دينهم ومن صبر دعاة القرامطة على القتل أيضاً وكل هذا لا يتعلل به إلا جاهل سخيف مقلد متهالك وإنما الحمق فيما أوجبته براهين العقول التي وضعها الله تعالى فينا لتمييز الحق من الباطل ونبا بها عن البهايم فقط ثم في الاعتدال والاقتصار على ما جاء صاحب به الشريعة التي قام البرهان بصحتها عن الله عز وجل وجماع ذلك ما جرى عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعده عليه السلام قال أبو محمد وبقي لهما اعتراضان نذكرهما إن شاء الله تعالى أحدهما إن قالوا قال الله عز وجل في كتابكم حكاية عن المسيح عليه السلام أنه قال‏.‏

من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة‏.‏

فأين‏.‏

الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين‏.‏

وقال تعالى أيضاً مخاطباً للمسيح عليه السلام‏.‏

إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة‏.‏

قلنا نعم هذا خبر حق ووعد صدق وإنما أخبر تعالى عن المؤمنين ولم يسمهم ولا شك في أن من ثبت عليه الكذب من باطرة ويوحنا ومتى ويهوذا ويعقوب ليسوا منهم لكنهم من الكفار المدعين له الربوبية كذباً وكفراً وأما الموعودون بالنصر إلى يوم القيامة المؤمنون بالمسيح عليه السلام فهم نحن المسلمون المؤمنون به حقاً وبنبوته ورسالته لا من كفر به وقال أنه كذاب وقال أنه إله أو ابن إله تعالى الله عن ذلك والثاني إن قالوا إن في كتابكم‏.‏

وجاء ربك والملك صفاً صفاً‏.‏

وفيه‏.‏

هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر‏.‏

فهلا قلتم فيما في التوراة والإنجيل كما تقولون فيما في كتابكم قلنا بين الأمرين فرق بين كما بين قطبي الفلك وذلك أن الذي في القرآن ظاهر لا يحتاج فيه إلى تأويل إنما معنى وجاء ربك ويأتيهم الله هو أمر معلوم في اللغة التي بها نزل القرآن مشهود فيه تقول جاء الملك وأتانا الملك وإما أتى جيشه وسطوته وأمره فليس فيما تلوتم أمر ينكر وليس كذلك ما كتبنا في توراتكم وأناجيلكم من التكاذب والتناقض والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد واعترضوا أيضاً بأن قالوا كيف تحققون نقلكم لكتابكم وأنتم مختلفون أشد الاختلاف في قراءتكم له وبعضكم يزيد حروفاً كثيرة وبعضكم يسقطها فهذا باب وأيضاً فإنكم ترون بأسانيد عندكم في غاية الصحة أن طوائف من أصحاب نبيكم عليه السلام ومن تابعيهم الذين تعظمون وتأخذون دينكم عنهم قرؤا القرآن بألفاظ زائدة ومبدلة لا تستحلون أنتم القراءة بها وإن مصحف عبد الله بن مسعود خلاف مصحفكم وأيضاً فإن طوائف من علمائكم الذين تعظمون وتأخذون عنهم دينكم يقولون إن عثمان بن عفان أبطل قراآت كثيرة صحيحة وأسقطها إذ كتب المصحف الذي جمعكم عليه وعلى حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن عندكم وأيضاً فإن الروافض يزعمون أن أصحاب نبيكم بدلوا القرآن وأسقطوا منه وزادوا فيه قال أبو محمد كل هذا لا متعلق لهم بشيء منه على ما نبين بما لا إشكال فيه على أحد من الناس وبالله تعالى التوفيق أما قولهم إننا مختلفون في قراءة كتابنا فبعضنا يزيد حروفاً وبعضنا يسقطها فليس هذا اختلافاً بل هو اتفاق منا صحيح لأن تلك الحروف وتلك القراآت كلها مبلغ بنقل الكواف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت كلها عليه فأي تلك القراآت قرأنا فهي صحيحة وهي محصورة كلها مضبوطة معلومة لا زيادة فيها ولا نقص فبطل التعلق بهذا الفصل ولله تعالى الحمد وأما قولهم أنه قد روى بأسانيد صحاح عن طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين الذي نعظم ونأخذ ديننا عنهم أنهم قرأوا وفي القرآن قراآت لا نستحل نحن القراءة بها فهذا حق ونحن وإن بلغنا الغاية في تعظيم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم وتقربنا إلى الله عز وجل بمحبتهم فلسنا نبعد عنهم الوهم والخطأ ولا نقلدهم في شيء مما قالوه إنما نأخذ عنهم ما أخبرونا به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو عندهم بالمشاهدة والسماع لما ثبت من عدالتهم وثقتهم وصدقهم وأما عصمتهم من الخطأ فيما قالوه برأى وبظن فلا نقول بذلك ولو أنكم أنتم فعلتم كذلك بأحباركم وأساقفتكم الذين بينكم وبين الأنبياء عليهم السلام ما عنفناكم بل كنتم على صواب وهدى متبعين للحق المنزل مجانبين للخطاء المهمل لكن لم تفعلوا هكذا بل قلدتموهم في كل ما شرعوه لكم فهلكتم في الدنيا والآخرة وتلك القراآت التي ذكرتم إنما هي موقوفة على الصاحب أو التابع فهي ضرورة وهم من الصاحب والوهم لا يعري منه أحد بعد الأنبياء عليهم السلام أو وهم ممن دونه في ذلك وأما قولهم أن مصحف عبد الله بن مسعود خلاف مصحفنا فباطل وكذب وإفك مصحف عبد الله بن مسعود إنما فيه قراءته بلا شك وقراءته هي قراءة عاصم المشهورة عند جميع أهل الإسلام في شرق الدنيا وغربها نقرأ بها كما ذكرنا وبغيرها مما قد صح أنه كله منزل من عند الله تعالى فبطل تعلقهم بهذا والحمد لله رب العالمين وأما قولهم إن طائفة من علمائنا الذين أخذنا عنهم ديننا ذكروا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ كتب المصحف الذي جمع الناس عليه أسقط ستة أحرف من الأحرف المنزلة واقتصر على حرف منها فهو مما قلنا وهو ظن ظنه ذلك القائل أخطأ فيه وليس كما قال بل كل هذا باطل ببرهان كالشمس وهو أن عثمان رضي الله عنه لم يك إلا وجزيرة العرب كلها مملوءة بالمسلمين والمصاحف والمساجد والقراء يعلمون الصبيان والنساء وكل من دب وهب واليمن كلها وهي في أيامه مدن وقرى والبحرين كذلك وعمان كذلك وهي بلاد واسعة مدن وقرى وملكها عظيم ومكة والطايف والمدينة والشام كلها كذلك والجزيرة كذلك ومصر كلها كذلك والكوفة والبصرة كذلك في كل هذه البلاد من المصاحف والقراء ما لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وحده فلو رام عثمان ما ذكروا ما قدر على ذلك أصلاً وأما قولهم أنه جمع الناس على مصحف فباطل ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا ولا ذهب عثمان قط إلى جمع الناس على مصحف كتبه إنما خشي رضي الله عنه أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين أو أن يهم وأهم من أهل الخير فيبدل شيئاً من المصحف يفعل ذلك عمداً وهذا وهماً فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعاً عليها وبعث إلى كل أفق مصحفاً لكي إن وهم واهم أو بدل مبدل رجع إلى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم فقط وأما قول من قال أبطل الأحرف الستة فقد كذب من قال ذلك ولو فعل عثمان ذلك أو أراده لخرج عن الإسلام ولما مطل ساعة بل الأحرف السبعة كلها عندنا قائمة كما كانت مثبوتة في القراآت المشهورة المأثورة والحمد لله رب العالمين وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراآت فإن الروافض ليسوا من المسلمين إنما هي فرق حدث أولها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة وكان مبداؤها أجابة ممن خذله الله تعالى لدعوة من كاد الإسلام وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر وهي طوائف أشدهم غلواً يقولون بإلهية علي بن أبي طالب والإهية جماعة معه وأقلهم غلواً يقولون إن الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين فقوم هذا أقل مراتبهم في الكذب أيستشنع منهم أن كذب يأتون به وكل من لم يزجره عن الكذب ديانة أو نزاهة نفس أمكنه أن يكذب ما شاء وكل دعوى بلا برهان فليس يستدل بها عاقل سواء كانت له أو عليه ونحن إن شاء الله تعالى نأتي بالبرهان الواضح الفاضح لكذب الروافض فيما افتعلوه من ذلك قال أبو محمد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام قد انتشر وظهر في جميع جزيرة العرب من منقطع البحر المعروف ببحر القلزم ماراً إلى سواحل اليمن كلها إلى بحر فارس إلى منقطعة ماراً إلى الفرات ثم على ضفة الفرات إلى منقطع الشام إلى بحر القلزم وفي هذه الجزيرة من المدن والقرى ما لا يعرف عدده إلا الله عز وجل كاليمن والبحرين وعمان ونجد وجبلي طي وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطايف ومكة كلهم قلنا أسلم وبنوا المساجد ليس منها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا قد قرأ فيها القرآن في الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء وكتب ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون كذلك ليس بينهم اختلاف في شيء أصلاً بل كلهم أمة واحدة ودين واحد ومقالة واحدة ثم ولي أبو بكر سنتين وستة أشهر فغزى فارس والروم وفتح اليمامة وزادت قراءة الناس للقرآن وجمع الناس المصاحف كأبي وعمر وعثمان وعلي وزيد وأبي زيد وابن مسعود وسائر الناس في البلاد فلم يبق بلد إلا وفيه المصاحف ثم مات رضي الله عنه والمسلمون كما كانوا لا اختلاف بينهم في شيء أصلاً أمة واحدة ومقالة واحدة إلا ما حدث في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول خلافة أبي بكر رضي الله عنه من ظهور الأسود العنسي في جهة صنعا ومسيلمة في اليمامة يدعيان النبوة وهما في ذلك مقران بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم معلنان بذلك ومن انقسام العرب ومن باليمن من غيرهم أربعة أقسام إثر موته عليه السلام فطائفة ثبتت على ما كانت عليه من الإسلام لم تبدل شيئاً ولزمت طاعة أبي بكر وهم الجمهور والأكثر وطائفة بقيت على الإسلام أيضاً إلا أنهم قالوا نقيم الصلاة وشرايع الإسلام إلا أنا لا نؤدي الزكاة إلى أبي بكر ولا نعطي طاعة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هؤلاء كثيراً إلا أنهم دون من ثبت على الطاعة ويبين هذا قول الحطيئة العبسي أيورثها بكراً إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر وإن التي طالبتم فمنعتم لكالتمر أو أحلى لدي من التمر يعني الزكاة ثم ذكر القبائل الثابتة على الطاعة فقال فباست بني سعد واسناه طيٌ وباست بني دودان حاشى بني النضر قال أبو محمد لكن والله باستاه بني نضر وباست الحطيئة حلت الدائرة والحمد لله رب العالمين وطائفة ثالثة أعلنت بالكفر والردة كأصحاب طليحة وسجاح وسائر من ارتد وهم قليل بالإضافة إلى من ذكرنا إلا أن في كل قبيل من المؤمنين من يقاوم المرتدين فقد كان باليمامة تمامة بن أثال الحنفي في طوايف من المسلمين محاربين لمسيلمة وفي قوم الأسود أيضاً كذلك وفي بني تميم وبني أسد الجمهور من المسلمين وطايفة رابعة توقفت فلم تدخل في أحد من الطوائف المذكورة وبقوا يتربصون لمن تكون الغلبة كمالك بن نويرة وغيره فأخرج إليهم أبو بكر البعوث فقتل مسيلمة وقد كان فيروز وذاذوية الفارسيان الفاضلان رضي الله عنهما قتلا الأسود العنسي فلم يمض عام واحد حتى راجع الجيمع الإسلام أولهم عن آخرهم وأسلمت سجاح وطليحة وغيرهم وإنما كانت نزعة من الشيطان كنار اشتعلت فأطفأها الله للوقت ثم مات أبو بكر وولي عمر ففتحت بلاد الفرس طولاً وعرضاً وفتحت الشام كلها والجزيرة ومصر كلها ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقاً وغرباً وبقي كذلك عشرة أعوام وأشهراً والمؤمنون كلهم لا اختلاف بينهم في شيء بل ملة واحدة ومقالة واحدة وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر مائة ألف مصحف من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك فلم يكن أقل ثم ولي عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر وبقي كذلك اثني عشر عاماً حتى مات وبموته حصل الاختلاف وابتداء أمر الروافض واعلموا أنه لو رام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى ما قدر لأنه كان يفتضح الوقت وتخالفه النسخ المثبوتة فكيف القرآن في المصاحف وهي من آخر الأندلس وبلاد البربر وبلاد السودان إلى آخر السند وكابل وخراسان والترك والصقالبة وبلاد الهند فما بين ذلك فظهر حمق الرافضة ومجاهرتها بالكذب ومما يبين كذب الروافض في ذلك أن علي بن أبي طالب الذي هو عند أكثرهم إله خالق وعند بعضهم نبي ناطق وعند سائرهم إمام معصوم مفروضة طاعته ولي الأمر وملك فبقي خمسة أعوام وتسعة أشهر خليفة مطاعاً ظاهر الأمر ساكناً بالكوفة مالكاً للدنيا حاشى الشام ومصر إلى الفرات والقرآن يقرأ في المساجد في كل مكان وهو يؤم الناس به والمصاحف معه وبين يديه فلو رأى فيه تبديلاً كما تقول الرافضة أكان يقرهم على ذلك ثم إلى ابنه الحسن وهو عندهم كأبيه فجرى على ذلك فكيف يسوغ لهؤلاء النوكي أن يقولوا إن في المصحف حرفاً زايداً أو ناقصاً أو مبدلاً مع هذا ولقد كان جهاد من حرف القرآن وبدل الإسلام أوكد عليه من قتال أهل الشام الذين إنما خالفوه في رأي يسير رأوه ورأي خلافة فقط فلاح كذب الرافضة ببرهان لا محيد عنه والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ونحن إن شاء الله تعالى نذكر صفة وجوه النقل الذي عند المسلمين لكتابهم ودينهم ثم لما نقلوه عن أئمتهم حتى يقف عليه المؤمن والكافر والعالم والجاهل عياناً إن شاء الله تعالى فيعرفون أين نقل سائر الأديان من نقلهم فنقول وبالله تعالى التوفيق‏.‏

إن نقل المسلمين لكل ما ذكرنا ينقسم أقساماً ستة أولها شيء ينقله أهل المشرق والمغرب عن أمثالهم جيلاً جيلاً لا يختلف فيه مؤمن ولا كافر منصف غير معاند للمشاهدة وهو القرآن من المكتوب في المصاحف في شرق الأرض وغربها لا يشكون ولا يختلفون في أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أتي به وأخبر أن الله عز وجل أوحى به إليه وأن من اتبعه أخذه عنه كذلك ثم أخذ عن أولئك حتى بلغ إلينا ومن ذلك الصلوات الخمس فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد أنه صلاها بأصحابه كل يوم وليلة في أوقاتها المعهودة وصلاها كذلك كل من اتبعه على دينه حيث كانوا كل يوم هكذا إلى اليوم لا يشك أحد في أن أهل السند يصلونها كما يصليها أهل الأندلس وأن أهل أرمينية يصلونها كما يصليها أهل اليمن وكصياح شهر رمضان فإنه لا يختلف كافر ولا مؤمن ولا يشك أحد في أنه صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصامه معه كل من اتبعه في كل بلد كل عام ثم كذلك جيلاً جيلاً إلى يومنا هذا وكالحج فإنه لا يختلف مؤمن ولا كافر ولا يشك أحد في أنه عليه السلام حج مع أصحابه وأقام المناسك ثم حج المسلمون من كل أفق من الآفاق كل عام في شهر واحد معروف إلى اليوم وكجملة الزكاة وكسائر الشرائع التي في القرآن من تحريم القرائب والميتة والخنزير وسائر شرائع الإسلام وكآياته من شق القمر ودعاء اليهود التي تمنى الموت وسائر ما هو في نص القرآن مقرؤ ومنقول وليس عن اليهود ولا عند النصارى في هذا النقل شيء أصلاً لأن نقلهم لشريعة السبت وسائر شرائعهم إنما يرجعون فيها إلى التوراة ويقطع نقل ذلك ونقل التوراة إطباقهم على أن أوائلهم كفروا بأجمعهم وبرؤا من دين موسى وعبدوا الأوثان علانية دهوراً طوالاً ومن المحال أن يكون ملك كافر عابد أوثان هو وأمته كلها معه كذلك يقتلون الأنبياء ويخنقونهم ويقتلون من دعل إلى الله تعالى يشتغلون بسبت أو بشريعة مضافة إلى الله سبحانه وتعالى عن هذا الكذب الذي لا شك فيه ويقطع بالنصارى عن مثل هذا عدم نقلهم إلا عن خمسة رجال فقط وقد وضح الكذب عليهم إلى ما أوضحنا من الكذب الذي في التوراة والإنجيل القاضي بتبديلهما بلا شك والثاني شيء نقلته الكافة عن مثلها حتى يبلغ الأمر كذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ككثير من آثاته ومعجزاته التي ظهرت يوم الخندق وفي تبوك بحضرة الجيش وككثير من مناسك الحج وكزكاة التمر والبر والشعير والورق والإبل والذهب والبقر والغنم ومعاملته أهل خيبر وغير ذلك كثير مما يخفى على العامة وإنما يعرفه كواف أهل العلم فقط وليس عند اليهود والنصارى من هذا النقل شيء أصلاً لأنه يقطع بهم دونه ما قطع بهم دون النقل الذي ذكرنا قبل من أطباقهم على الكفر الدهور والطوال وعدم إيصال الكافة إلى عيسى عليه السلام والثالث ما نقله الثقة عن الثقة كذلك حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبر كل واحد منهم باسم الذي أخبره ونسبه وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان على أن أكثر ما جاء هذا المجيء فإنه منقول نقل الكواف إما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وإما إلى الصاحب وإما إلى التابع وإما إلى أمام أخذ عن التابع يعرف ذلك من كان من أهل المعرفة بهذا الشأن والحمد لله رب العالمين وهذا نقل خص الله تعالى به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها وابقاه عندهم غضاً جديداً على قديم الدهور مذ أربعمائة عام وخمسين عاماً في المشرق والمغرب والجنوب والشمال يرحل في طلبه من لا يحصى عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة ويواظب على تقييده من كان الناقد قريباً منه قد تولى الله تعالى حفظه عليهم والحمد لله رب العالمين فلا تفوتهم زلة في كلمة فما فوقها في شيءٍ من النقل إن وقعت لأحدهم ولا يمكن فاسقاً أن يقحم فيه كلمة موضوعة ولله تعالى الشكر وهذه الأقسام الثلاثة التي نأخذ ديننا منها ولا نتعداها إلى غيرها والحمد لله رب العالمين والرابع شيء نقله أهل المشرق والمغرب أو الكافة أو الواحد الثقة عن أمثالهم إلى أن يبلغ من ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا واحد فأكثر فسكت ذلك المبلوغ إليه عمن أخبره بتلك الشريعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرف من هو فهذا نوع يأخذ به كثير من المسلمين ولسنا نأخذ به البتة ولا نضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم نعرف من حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون غير ثقة ويعلم منه غير الذي روي عنه ما لم يعرف منه الذي روى عنه ومن هذا النوع كثير من نقل اليهود بل هو أعلى ما عندهم إلا أنهم لا يقربون فيه من موسى كقربنا فيه من محمد صلى الله عليه وسلم بل يقفون ولابد حيث بينهم وبين موسى عليه السلام أزيد من ثلاثين عصراً في أزيد من ألف وخمسمائة عام وإنما يبلغون بالنقل إلى هلال وشماني وشمعون ومرعقيبا وأمثالهم وأظن أن لهم مسألة واحدة فقط يروونها عن حبر من أحبارهم عن نبي من متأخري أنبيائهم أخذها عنه مشافهة في نكاح الرجل ابنته إذا مات عنها أخوه وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وحده فقط على أن مخرجه من كذاب قد صح كذبه والخامس شيء نقل كما ذكرنا إما بنقل أهل المشرق والمغرب أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الطريق رجلاً مجروحاً يكذب أو غفلة أو مجهول الحال فهذا أيضاً يقول به بعض المسلمين ولا يحل عندنا القول به ولا تصديقه ولا الأخذ بشيء منه وهذه صفة نقل اليهود والنصارى فيما أضافوه إلى أنبيائهم لأنه يقطع بهم كفار بلا شك ولا مرية والسادس نقلٌ نقل بأحد الوجوه التي قدمنا إما بنقل من بين المشرق والمغرب أو بالكافة أو بالثقة عن الثقة حتى يبلغ ذلك إلى صاحب أو تابع أو إمام دونهما أنه قال كذا أو حكم بكذا غير مضاف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كفعل أبي بكر في سبي أهل الردة وكصلاة الجمعة صدر النهار وكضرب عمر الخراج وإضعافه القيمة على رقيق حاطب وغير ذلك كثير جداً فمن المسلمين من يأخذ بهذا ومنهم من لا يأخذ به ونحن لا نأخذ به أصلاً لأنه حجة في فعل أحد دون من أمرنا الله تعالى باتباعه وأرسله إلينا ببيان دينه ولا يخلو فاضل من وهم ولا حجة فيمن يهم ولا يأتي الوحي ببيان وهمه وهذا الصنف من النقل هو صفة جميع نقل اليهود لشرائعهم التي هم عليها الآن مما ليس في التوراة وهو صفة جميع نقل النصارى حاشى تحريم الطلاق إلا أن اليهود لا يمكنهم أن يبلغوا في ذلك إلى صاحب نبي أصلاً ولا إلى تابع له وأعلى من يقف عنده النصارى شمعون ثم بولس ثم أساقفهم عصراً عصراً هذا أمر لا يقدر أحد منهم على إنكاره ولا إنكار شيء منه إلا أن يدعي أحد منهم كذباً عند من يطمع في تجويزه عليه ممن يظن به جهلاً بما عنده فقط وأما إذا قررهم على ذلك من يدرون أنه يعرف كتبهم فلا سبيل لهم إلى إنكاره اصلاً قال أبو محمد ونقل القرآن وما فيه من إعلام النبي صلى الله عليه وسلم كالإنذار بالغيوب وشق القمر ودعاء اليهود إلى تمني الموت والنصارى إلى المباهلة وجميع العرب إلى المجيء بمثل القرآن وبتوبيخهم بالعجز عنه وبتوبيخ اليهود بأنهم لا يتمنون الموت وقصة الطير الأبابيل ورميها أصحاب الفيل بحجارة من سجيل وكثير من الشرائع وكثير من السنن فإنه نقل كل ذلك اليماني والمضري والربيعي والقضاعي وكلهم أعداء متباينون متحاربون يقتل بعضههم بعضاً ليس هناك شيءٌ يدعوهم إلى المسامحة في نقلهم له ثم نقله عن هؤلاء من بين المشرق والمغرب وكانت العرب بلا خلاف قوماً لقاحاً لا يملكهم أحد كمضر وربيعة وإياد وقضاعة أو ملوكاً في بلادهم يتوارثون الملك كابراً عن كابر كملوك اليمن وعمان وشهر بن بارام ملك صفا والمنذر بن ساوى ملك البحرين والنجاشي ملك الحبشة وجيفر وعياذ ابني الجلندي ملكي عمان فانقادوا كلهم لظهور الحق وبهوره وآموا به صلى الله عليه وسلم طوعاً وهم آلاف آلاف وصاروا إخوة كبني أب وأم وانحل كل من أمكنه الانحلال عن ملكه منهم إلى رسله طوعاً بلا خوف غزز ولا إعطاء مال ولا بطمعٍ في عز بل كلهم أقوى جيشاً من جيشه وأكثر مالاً وسلاحاً وأوسع بلداً من بلده كذي الكلاع وكان ملكاً متوجاً ابن ملوك متوجين تسجد له جميع رعيته يركب أمامه ألف عبد من عبيده سوى بني عمه من حمير وذي ظليم وذي زود وذي مران وذي عمرو وغيرهم كلهم ملوك متوجون في بلادهم هذا كله أمر لا يجهله أحد من حملة الأخبار بل هو منقول كنقل كون بلادهم في مواضعها وهكذا كان إسلام جميع العرب أولهم كالأوس والخزرج ثم سائرهم قبيلة قبيلة لما ثبت عندهم من آياته وبهرهم من معجزاته وما اتبعه الأوس والخزرج إلا وهو فريد طريد قد نابذه قومه حسداً له إذ كان فقيراً لا مال له يتيماً لا أب له ولا أخ ولا ابن أخ ولا ولد أمياً لا يقرأ ولا يكتب نشأ في بلاد الجهل يرعى غنم قومه بأجرة يتقوت بها فعلمه الله تعالى الحكمة دون معلم وعصمه من كل من أراده بلا حرس ولا حاجب ولا بواب ولا قصر يمتنع فيه على كثرة من أراد قتله من شجعان العرب وفتاكهم كعامر بن الطفيل واربد بن جزءٍ وغورث بن الحارث وغيرهم مع إقرار أعدائه بنبوته كمسيلمة وسجاح وطليحة الأسود وهو مكذب لهم فهل بعد هذا برهان أو بعد هذه الكفاية من الله تعالى كفاية وهو لا يبغي دنيا ولا يمني بها من اتبعه بل أنذر الأنصار بالأثرة عليهم بعده وتابعوه على الصبر على ذلك قام له أصحابه على قدم فمنعهم وأنكر ذلك عليهم وأعلمهم أن القيام لله تعالى لا لخلقه ورضوا بالسجود له فاستعظم ذلك وأنكره إلا لله وحده ولا شك في أن هذه ليست صفة طالب دنيا قط أصلاً ولا صفة راغب في غلبة ولا بعد صوت بل هذه حقيقة النبوة الخالصة لمن كان له أدنى فهم فهذا هو الحق لا ما تدعيه النصارى من الكذب البحت في أن الملوك دخلوا دينهم طوعاً وقد كذبوا في ذلك لأن أول ملك تنصر قسطنطين باني القسطنطينية بعد نحو ثلاثمائة عام من رفع المسيح عليه السلام فأي معجزة صحت عنده بعد هذه المدة وإنما نصرته أمه لأنها كانت نصرانية بنت نصراني تعشقها أبوه فتزوجها هذا أمر لا تناكر بين النصارى فيه والنشأة لا خفاء بما تؤثره في الإنسان وأما من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم اتبعوه إذ بلغهم خبره في حياته عليه السلام للآيات التي كانت له بحضرة جميع أصحابه كإعجاز القرآن وانشقاق القمر ودعاء اليهود إلى تمني الموت وإخبارهم بعجزهم عن ذلك وأنهم لا يتمنونه أصلاً والإنذار بالغيوب وتبعان عين تبوك فهي كذلك إلى اليوم ونبعان الماء من بين أصابعه بحضرة العسكر وإطعامه النفر الكثير من طعام يسير مراراً جمة بحضرة الجموع وإخباره بأكل الأرضة كل ما في الصحيفة المكتوبة على بني هاشم وبني المطلب حاشى أسماء الله تعالى فقط وأنظاره بمصارع أهل بدر بحضرة الجيش موضعاً موضعاً وبالنور الواقع في سوط الطفيل بن عمرو الدوسي وحنين الجذع بحضرة جميعهم ودفع اربد عنه وقضاء غرماء جابر من تمر يسير مشى بجنبه وتزويد عمرو أربعمائة راكب من تمر يسير بقي بجنبه ورميه هو إذان بتراب عم عيونهم وخروجه بحضرة مائة من قريش وهم لا يرونه ودخول الغار وهم عليه لا يرونه وفتح الباب في حجر صلد في جنب الغار لم يكن فيه قط ولو كان هنالك يومئذ لما أمكنه الاختفاء فيه لأنه ليس بين البابين إلا أقل من ثمانية أذرع وهو ظاهر إلى اليوم كل عام وكل حين يزوره أهل الأرض من المسلمين ولو رام فتح الباب الثاني في ذلك الحجر أهل الأرض ما قدروا على إزاحته سالماً عن مكانه ولو كان ذلك الباب هنالك يومئذ لرآه الطالبون له بلا مؤونة لأنهم لم يكونوا إلا جموع قريش لعلهم ميئون كثيرة وآثار رأسه المقدس في ذلك الحجر وآثار كتفيه ومعصمه وظاهر يده باق إلى اليوم فعل الله تعالى منقول نقل الكواف جيلاً عن جيل ورمي الجمار الذي ترميه ما لا يحصيه إلا الله تعالى كل عام ثم لا يزيد حجمه في ذلك الموضع ورمى الله تعالى جيش أبرهة صاحب الفيل إذ غزا مكة عام مولده صلى الله عليه وسلم بالحجارة المنكرة بأيدي طير منكرة ونزلت في ذلك سورة من القرآن متلوة إلى اليوم وكان ذلك ببركته عليه السلام وإنذاراته وشكوى البعير إليه وإبراء عيني علي من الرمد بحضرة الجماعات في ساعة وسوخ قوائم فرس سراقة إذ تبعه ودرور الشاة التي لا لبن لها مراراً وتسبيح الطعام وكلام الذئب ومجيئه وقوله للحكم إذ حكي مشيته كن كذلك فلم يزل يرتعش إلى أن مات ودعاؤه للمطر فأتى للوقت وفي الصحو فانجلى للوقت وظهور جبريل عليه السلام مرتين مرة في صورة دحية ثم أتى دحية بحضرة الناس وأخرى في صورة رجل لم يعرفه أحد ولا رؤي بعدها وقوله إذ خطب بنت الحارث ابن عوف بن أبي حارثة المزني فقال له أبوها أن بها بياضاً فقال لتكن كذلك فبرصت في الوقت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر المشهور وغير هذا كثير جداً مع ما ذكرنا من أن أول من تنصر من الملوك قسطنطين بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح فوالله ما قدر على إظهار النصرانية حتى رحل عن رومية مسيرة شهر وبني برنطية وهي قسطنطينية ثم أجبر الناس على النصرانية بالسيف والعطاء وكان من عهوده المحفوظة أن لا يولي ولاية إلا من تنصر والناس سراع إلى الدنيا نافرون عن الأدنى وكان مع هذا كله على مذهب أريوس لا على التثليث ولكن هذا من دعوى النصارى وكذبهم مضاف إلى ما يدعونه من أنهم بعد هذه المدة الطويلة وبعد خراب بيت المقدس مرة بعد أخرى وبقائه خراباً لا ساكن فيه نحو مائتي عام وسبعين عاماً وجدوا الشوك الذي وضع على رأس المسيح بزعمهم والمسامير التي ضربت في يديه والدم الذي طار من جنبه والخشبة التي صلب عليها فلا أدري ممن العجب أممن اخترع مثل هذه الكذبة الغثة المفضوحة أم ممن قبلها وصدق بها ودان باعتقادها وصلب وجهه للحديث بها ليت شعري أين بقي ذلك الشوك وذلك الدم سالمين وتلك المسامير وتلك الخشبة طول تلك المدة وأهل ذلك الدين مطرودون مقتولون كقتل من تستر بالزندقة اليوم وتلك المدينة خراب الدهور الطوال لا يسكنها أحد إلا السباع والوحش وقد شاهدنا ملوكاً جلت لهم الأتباع والأولاد والشيع والأقارب صلبوا فما مضت مدة يسيرة حتى لم يبق لتلك الخشب أثر فكيف أمر لا طالب له وبدول قد انقطعت وبلاد قد أقفرت وخلت ونسيت أخبارها وهذه البردة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم والقصعة والسيف على أن الدولة متصلة لم تتخرم منذ حينئذ والحمد لله رب العالمين قد دخلت الداخلة في القصعة ولاسيف حتى لا يقين عندنا منهما اليوم ولولا تداول الخلفاء للباس البردة أبد الآبد فينقل أمرها جيلاً بعد جيل والمنبر كذلك لما قطعنا عليهما ولكن التداول لهما أمة بعد أمة وهما قائمان ظاهران للناس هو واجب اليقين بهما ورفع الشك فيهما وكذلك كل ما جرى هذا المجرى ثم لم يلبث دين النصارى أن مات قسطنطين أول من تنصر من ملوك الدنيا ثم مات ابنه قسطنطين وولي ملك ترك النصرانية ورجع إلى عبادة الأوثان إلى أن مات ثم ولي رجل من أقارب قسطنطين فرجع إلى النصرانية وأما ديانة اليهود فما صفت فيها نيات بني إسرائيل وموسى عليه السلام حي بين أظهرهم ومازالوا مائلين إلى إظهار عبادة الأوثان ثم تكذيبهم كلهم بالشريعة التي أتاهم بها بعد موته عليه السلام طبقة بعد طبقة إلى انقطاع دولتهم فكيف إن يتبعه غيرهم قال أبو محمد وبرهان ضروري لمن تدبره حسي لا محيد عنه وهو أنه لا خلاف بين أحد من اليهود والنصارى وسائر الملل في أن بني إسرائيل كانوا بمصر في أشد عذاب يمكن أن يكون من ذبح أولادهم وتسخيرهم في عمل الطوب بالضرب العظيم والذل الذي لا يصبر عليه كلب مطلق فأتاهم موسى عليه السلام يدعوهم إلى فراق هذا الأسر الذي قتل النفس أخف منه وإلى الحرية والملك والغلبة والأمن ومضمون ممن هو في أقل من تلك الحال أن يسارع إلى كل من يطمع على يديه بالفرج وأن يستجيب له إلى كل ما دعاه إليه وإن أكثر من في هذا البلاء يستخير عبادة من أخرجه منه لاسيما إلى العز والحرمة وكانوا أيضاً أهل عسكر مجتمع وبني عمر يمكنهم التواطؤ ثم كانوا أهل بلد صغير جداً قد تكنفهم الأعداء من كل جانب وأما عيسى عليه السلام فما اتبعه إلا نحو اثني عشر رجلاً معروفين ونساء قليل وعدد لا يبلغ جميعم وفي جملتهم الاثنا عشر إلا مائة وعشرين فقط هكذا في نص إنجيلهم وكانوا مشردين مطرودين غير ظاهرين ولا يقوم بمثل هؤلاء ضرورة يقين العلم وأما محمد صلى الله عليه وسلم فلا يختلف أحد في مشرق الأرض وغربها أنه عليه السلام أتى إلى قوم لقاح لا يقرون بملك ولا يطيعون لأحد ولا ينقادون لرئيس نشأ على هذا آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم منذ ألوف من الأعوام قد سرى الفخر والعز والنخوة والكبر والظلم والأنفة في طباعهم وهم أعداد عظيمة قد ملؤوا جزيرة العرب وهي نحو شهرين في شهرين قد صارت طباعهم طباع السباع وهم ألوف الألوف قبائل وعشائر يتعصب بعضهم لبعض أبداً فدعاهم بلا مال ولا اتباع بل خذله قومه إلى أن ينحطوا من ذلك العز إلى غرم الزكاة ومن الحرية والظلم إلى جري الأحكام عليهم ومن طول الأيدي بقتل من أحبوا وأخذ مال من أحبوا إلى القصاص من النفس ومن قطع الأعضاء ومن اللطمة من أجل من فيهم لأقل علج غريب دخل فيهم وإلى إسقاط الأنفة والفخر إلى ضرب الظهور بالسياط أو بالنعال إن شربوا خمراً أو قذفوا إنساناً وإلى الضرب بالسوط والرجم بالحجارة إلى أن يموتوا إن زنوا فانقاد أكثرهم لكل ذلك طواً بلا طمع ولا غلبة ولا خوف ما منهم أحد أخذ بغلبة إلا مكة وخيبر فقط وما غزا قط غزوة يقاتل فيها إلا تسع غزوات بعضها عليه وبعضها له فصح ضرورة أنهم إنما آمنوا به طوعاً لا كرهاً وتبدلت طبائعهم بقدرة الله تعالى من الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم ومن الفسق والقسوة إلى العدل العظيم الذي لم يبلغه أكابر الفلاسفة وأسقطوا كلهم أولهم عن آخرهم طلب الثأر وصحب الرجل منهم قاتل ابنه وأبيه وأعدى الناس له صحبة الأخوة المتحابين دون خوف يجمعهم ولا رياسة ينفردون بها دون من أسلم من غيرهم ولا مال يتعجلونه فقد علم الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكيف كانت طاعة العرب لهما بلا رزق ولا عطاء ولا غلبة فهل هذا إلا بغلبة من الله تعالى على نفوسهم وقسره عز وجل لطباعهم كما قال تعالى‏.‏

لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم‏.‏

ثم بقي عليه السلام كذلك بين أظهرهم بلا حارس ولا ديوان جند ولا بيت مال محروساً معصوماً وهكذا نقلت آياته ومعجزاته فأيما يصح من أعلام الأنبياء المذكورين ما نقل عنه عليه السلام بصحة الطريق إليه وارتفاع دواعي الكذب والعصبية جملة عن اتباعه فيه فجمهورهم غرباء من غير قومه لم يمنهم بدنيا ولا وعدهم بملك وهذا لا ينكره أحد من الناس وأيضاً فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى وذلك أنه عليه السلام نشأ كما قلنا في بلاد الجهل لا يقرأ ولا يكتب ولا خرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع والأخرى أيضاً إلى أول الشام ولم يطل بها البقاء ولا فارق قومه قط ثم أوطأه الله تعالى رقاب العرب كلها فلم تتغير نفسه ولا حالت سيرته إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة ولم يبت قط في ملكه دينار ولا درهم وكان يأكل على الأرض ما وجد ويخصف نعله بيده ويرقع ثوبه ويؤثر على نفسه وقتل رجل من أفاضل أصحابه مثل فقده يهد عسكراً قتل بين أظهر أعدائه من اليهود فلم يتسبب إلى أذى أعدائه بذلك إذ لم يوجب الله تعالى له ذلك ولا توصل بذلك إلى دمائهم ولا إلى ذم واحد منهم ولا إلى أموالهم بل فداه من عند نفسه بمائة ناقة وهو في تلك الحال محتاج إلى بعير واحد يتقوى به وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا من أصحاب بيوت الأموال بوجه من الوجوه ولا يقتضي هذا أيضاً ظاهر السيرة والسياسة فصح يقيناً بلا شك أنه إنما كان متبعاً ما أمر به ربه عز وجل كان ذلك مضراً به في دنياه غاية الإضرار أو كان غير مضر به وهذا عجب لمن تدبره ثم حضرته المنية وأيقن بالموت وله عم أخو أبيه هو أحب الناس إليه وابن عم هو من أخص الناس به وهو أيضاً زوج ابنته التي لا ولد ه غيرها وله منها ابنان ذكران وكلا الرجلين المذكورين عمه وابن عمه عنده من الفضل والدين والسياسة في الدنيا والبأس والحلم وخلال الخير ما كان كل واحد منهما حقيقاً بسياسة العالم كله فلم يحابهما وهما من أشد الناس غناءً عنه ومحبة فيه وهو من أحب الناس فيهما إذ كان غيرهما متقدماً لهما في الفضل وإن كانا بعيد النسب منه بل فوض الأمر إليه قاصداً إلى مر الحق واتباع ما أمر به ولم يورث ورثته ابنته ونساءه وعمه فلساً فما فوقه وهم كلهم أحب الناس إليه وأطوعهم له وهذه أمور لمن تأملها كافية مغنية في أنه إنما تصرف بأمر الله تعالى له لا بسياسة ولا بهوى فوضح بما ذكرنا ولله الحمد كثيراً أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حق وأن شريعته التي أتى بها هي التي وضحت براهينها واضطرت دلائلها إلى تصديقها والقطع على أنها الحق الذي لا حق سواه وأنها دين الله تعالى الذي لا دين له في العالم غيره والحمد لله رب العالمين عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته على ما وفقنا من الملة الإسلامية ثم على ما يسرنا عليه من النحلة الجماعية السنية ثم على ما هدانا له من التدين والعمل بظاهر القرآن وبظاهر السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم عن باعثه عز وجل ولم يجعلنا ممن يقلد أسلافه وأحباره دون برهان قاطع وحجة قاهرة ولا ممن يتبع الأهواء المضلة المخالفة لقوله وقول نبيه صلى الله عليه وسلم ولا ممن يحكم برأيه وظنه دون هدى من الله ورسوله اللهم كما ابتدأتنا بهذه النعمة الجليلة فأتمها علينا وأصحبنا إياها ولاتخالف بها عنا حتى تقبضنا إليك ونحن متمسكون بها فنلقاك بها غير مبدلين ولا مغيرين اللهم آمين رب العالمين وصل اللهم على محمد عبدك ورسولك وخليلك وخاتم أنبيائك خاصة وعلى أنبيائك عامة وعلى ملائكتك كافة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم